كيــف تعــرف أنك تعيش بعقليــة القــرون الوُسطــى ؟!

كيــف تعــرف أنك تعيش بعقليــة القــرون الوُسطــى ؟!
مؤخراً ، كنت قد كوّنت نظـرية شخصية لا بأس بهــا أرتـاح لهـا تماماً ، مُفــادها بإختصــار أننا فى العـالم العربي حاليـاً ، نعيش ظروفاً شديدة التشـابه بأوروبـا فى القــرون الوسيطــة ..

 أوروبا الزرقـاء الأنيقــة الآن ، المليئة بالجبــال الخضــراء ، والوجــوه الشقراء النضــرة ، والتقنيــة والحداثة والنظـافة والإدارة والتنظيــم والخدمـات والإبداع ، لم تكـن كذلك من 500 سنة كمـا تعرفون جميعـاً ، عندما كانت التسليـة الوحيــدة المُتاحة للناس وقتها ، هي قتــل بعضهم البعـض لإعلاء كلمة الرب ..

ولكـوني مُحبـاً لقراءة التاريخ ، وجدت أنه من المُمتع فعلاً أن أوضّـح لماذا نعيش فى ظـروف مُشابهـة لـ ( أوروبا القــرونوسطيـّة ) كمـا يُطلق عليها الأكاديميــّون والمتحذلقـون ، ولكـن بطريقة مُختلفة قليلاً .. طريقة المُقـارنة الفكـرية بشكــل فردي ، وليس المقارنـات الإجتمـاعية العــامة بين ( الشعوب الاوروبية ) و ( الشعــوب العــربية ) بشكـل عام..


( دليل ) سريع مُبسّـط يوضّـح لك إن كنتَ أنت نفســك تعيش بعقليــة القـرون الوسطى الأوروبية في القــرن الحادي والعشــرين ، أم أنك تعيش بمفـردات وأدوات العصــر ..

أنت تعيش بعقليــة القــرون الوسطـى الأوروبيــة ، عندمــا :

تعتبــر أن كلمة ( الحــرية ) مُــردافة للتحلل الأخلاقي !
عندمـا تسمع تعبيــر ( الحرية ) ، لاحظ أفكـارك .. إذا قفــز في ذهنــك فوراً بلا تفكيــر ، بمجرد سمـاع كلمة ( الحرية ) ، مفهــوم التحرر الجنســي ، والعلاقــات الجنسيــة المُشينة ، والشذوذ ، والسحــاق ، وكل هذه الكلمــات المُريعة .. فيجب أن تعرف فوراً أنك على رأس قائمة المُفكــرين بعقلية القرون الوسطى ..

في القـرون الوسطى ، كـان إذا نوديَ بالحـرية بين المثقفين والنخــب بغرض التطوّر السيـاسي والمُجتمعـي – عادة – ، فأوّل ماكان يتبــادر لذهن العامّة المُحافظين وقتهـا أن المطــلوب هو الحرية الجنسية .. هكذا فقـط ، وبشكـل مُباشر ، دون إسقــاط مفهوم الحرية على حق التعبير ، التفكيـر ، الاعتراض ، التأييد ، الإنتمـاء السياسي والفكــري ..

نفس الوضع هنـا ، تترك كل هذه المعـاني الشاملة لمفهـوم ( الحرّيــة ) ، وتفكــر وأنت ممتقــع الوجــه بأن الحُرية المقصــودة هي حرية الجنــس ، وأن تمشى النســاء فى الشــوارع عرايا ، ويتقــافز الناس على بعضهم البعض فى الطُرقات ..

الحريّــة لهــا مليون بُعد آخــر ، ومعنى آخر ، وفهـم آخــر ، ومقــاصد أخرى ، أكثــر أهمية بكثيــر جداً من إهتمـاماتك بأنشطة نصفك السُفلي ..

فقط انت تخشـى جداً من كلمة ( الحرّية ) لأنك تعرف تماماً أن بداخلك وحـش مُريــع سيتحــرر بمجـرّد رفع الغطـاء !

وعندمـا لا تستــريح  لكلمـة ( مواطنة ) !
تخيفك جداً هذه الكلمة .. تقلقك ، وتجعلك تفكّــر بعصبيــة وحذر ، وتهاجم وتعتــرض على من ينـادي بها .. كيف يجــرؤ أحد بأن يُنــادي بإعلاء مبــدأ المواطنة ، الذي يعنـي المُســاواة بين البشــر في البلد الواحد ؟

في البلد العـربي الواحد متعدد الطوائف ، كل حزب بلا لديهم فرحـون .. السُنّـي يريد أن يعيش فى وطن هو السيـّد فيه ، وبقية الطوائــف والأديـان درجة ثــانية ، لا تُهنهــم ولا تظلمهم .. ولكنهم – شـاؤوا ام أبوا – درجة ثـانية في هذا الوطن ..

المسلم الشيعـي يرى أنه السيــّد في هذا الوطن ، وكل الطوائف درجة ثانيــة .. لا تُهنهم ولا تظلمهم ، ولكنــهم – شاؤوا أم أبــوا – درجة ثانيــة فى هذا الوطن ..

المسيحي العــربي يرى انه السيد في هذا الوطن ، وصاحب الوطن الحقيقي ، وكل الطوائف والأديان الأخـرى مُستعمـرين ، ويجب أن يكونوا – شاؤوا أم أبوا – درجة ثانيــة في هذا الوطن ..

وهكذا ، مع بقيــة الطوائف الدينية ، والعرقيــة ، والإجتمـاعية .. الأكراد ، والأمازيـغ ، والمسلمين والمسيحييـن ، وطبقات النبلاء والنخــب ، وحتى الليبـرالييـن والعلمـانيين ، وغيرهم .. كل منهم يعتبــر أنه ( السيّــد ) ، وأن شريعته هو الذي يجــب تطبيقهــا بشكـل حاسم – وفقــاً لفهمــه – ، والتى تُعطيــه أفضليــة ولو معنويّــة عن الطوائف والمعتقدات الأخرى..
فقط عندما ينـادي مُناد بإعلاء قمية ( المواطنة ) وأن الجميع متســاويــن فى الحقوق والواجبات والمُعاملات بشكـل كامل ، تجــد أن كل الفــرق تتحـــد في السعــي إلى سحقــه ، وتكفيــره ، وتخوينه ، وتضليله ، وتفسيقــه ، وإتهامه بأنه متآمــر ضد الدين والوطن ..

هذا الملمح بالذات من أهم ملامح عقليــة القرون الوسطـى ، التى سادت أوروبــا لسنــوات طويلة جداً ..

وعندمـا ترعبك الأفكـار المُخالفة لما تربّيت عليه
في القـرون الوسطـى الأوروبية ، كـان أكثـر شيء مُخيف للعــامّي أن يقع أمامه فكــراً مُخالفـاً لفكــر الكنيسة .. أو يروّج لكنيســة أخــرى .. ناهيــك عن التــرويج للأفكــار العلميــة والإنســانية بعيــداً عن مفهــوم الكنيسة ..

مُجــرد تنـاول هذه الأفكـار ومناقشتهـا ، لا يُعرّضه فقط للمســاءلة من السلطـات .. بل يعرّضــه لأزمـات نفسية ، وعقدة ذنب بالغة : كيــف جرؤت أن أقرأ كتــاباً أو اتعرض لفكـر مخالف لفكــر المُجتمع والحيـاة الذي تعيشه ؟

” تُحكـى قصة رائعة من التراث الإسلامي ، أن وردت أنبــاء لأحد العلمـاء في العــراق ، في أحد عصــور المُسلميــن المُزدهـرة ، عن وجود كتــاب ينتقـد الإسلام بشدة في إحدى مكتبــات بغداد .. فما كان من العالم إلا أن قطع رحلة طويلة مُرهقــة إلى بغداد ، حتى وصــل إليها .. وسأل عن المكتبة الذي وُضعَ فيها الكتــاب للإطّــلاع عليه..

لما وصل المكتبـة ، سأل أمينها – أمين المكتبة المسؤول عن أرشفة الكتــب – عن هذا الكتاب المثيــر للجدل ، فجــاءه الرجل بكتــاب فارغ كل صفحــاته بيضــاء تماماً ، لا يوجد بها أثــر الكلمـات !

فسأله العالِم : اين الكلمــات ، الكتــاب فارغ المحتــوى ؟

فأخبــره أمين المكتبـــة أنه : ( قام بمســح كل الكلمــات فى كل الصفحــات ، لأنه وجد مُعظــم الكتـــاب كفــراً .. فمسحــه حتى لا يقــرأه أحد ، ولا يقع فى يد أحد ! )

فقــال له العالِم :

ألا قبّــحك الله ! .. عســى أن يكون ماكُتِــب فى هذا الكتاب صحيحاً ، فنرتــاح من إتّبــاع دين خاطئ ! .. أو يكون خاطئــاً فنرد عليــه بالحجّــة الصائبة ، ونأخــذ منه ما يثبــت صحة ديننــا ، ويؤكّــد منهجنــا ، وتطمئن قلوبنا بالإيمان ! ”

إذا كنتَ تعيش بعقلية هذا العـالِم المُسلم المُنفتح ، السابق لعصــره ، فأنت تعيش بالضبط فى زمـانك الصحيح ( القرن الحادي والعشـرين ) .. أما إذا كنتَ تعيش بعقليــة أمين المكتبــة المُرتعش الخائف من مجرد قراءة أفكــار مُخالفة للأفكــار الذي نشــأ وتربّى عليهـا .. فأهلاً بك في القــرون الوسطى !

عندما يكون تركيزك كله منصبّـا على قضايا عجيبة !
هل الموسيقى حرام أم حلال ؟ .. هل يجــوز الشــرب من الإناء مُباشــرة ؟ .. هل يجوز مُصـافحة الأجنبــي ؟ .. هل إرتداء البنطلــون حرام ؟ .. هل يجــوز الأكــل بالملعقــة ؟

من المهـم أن يلتــزم الإنســان حرفيـاً بمنهاج دينه ، فلكــل تصوّراته للديــن وتطبيقــاته .. ولكنـي – صدقاً – لا أفهم أن يكون كل تفكيــرك مُنصباً على هذه القضـايــا ، في الوقت الذي لا تفعـل فيه أي شيء تقريباً فى حياتك !

في الوقت الذي يخرج فيه البشــر للتوسع فى الفضاء ، وإسقـاط المسبارات على المذنبـات ، وتشييــد مصانع عملاقة ، والعمــل على تسخيــر تكنولوجيا الخلايا الجذعيــة لإعادة إستخراج الأطراف المبتــورة .. أنت كل اهتمـامك في الحيــاة هو جواز الأكــل بالملعقـة ؟  ..
كأنك إنتهيت لتوّك من إتمـام دورك التاريخي فى التأثير على البشــرية ، وأنجزت كل واجبـاتك الدينية الأساسيــة ، وســاهمت في القضــاء على الجــوع والفقــر فى الدول العــربية كلهــا  ، وبقــى عليــك ان تطمئن ( هل الأكل بالملعقة حلال ام حرام ) قبل أن تغادر الدنيــا ؟

وقتئــذ أنت نسخــة حقيقيــة من طبيعة تفكيــر البشــر في أوروبا في فترة القــرون الوسطـى ، الذين إنتشــر لديهم هذه المنهجيــة فى التفكيــر – وربمـا أكثــر تشدداً -، في التعـاطي مع أمور شديدة الهامشيـة في الحيــاة ، مثل طريقة المأكل والملبس والموسيقى ، إلخ .. بينمـا الحضـارة العربية الإسلاميــة في نفس الوقــت كـانت تحرز تقدماً مُذهلاً فى الفيزياء والكيمياء والميكانيكـا ، وحركة النقــل والترجمة من الكتب ، والتوسع الثقافي والمعـرفي ..

عندمـا تُصــر على إستحضــار التراث إلى الواقع

# عندمـا يكون مفهــومك عن ( الدولة ) هو نفس المفهــوم الذي تعاطت معه كتــب التراث من 700 سنة ، وترفض بشدة مفهـوم تكوين الدول والمؤسسات الحالي ، وتعتبــره ( بدعــة ) ..

# عندما يكون مفهــومك عن النزاعات السياسية التى دارت من 1000 عام ، هو – تقريباً – نفس مفهــومك الحــالي .. بل وتصــر – بإستمـاتة – على إستحضــاره كل يوم..

# عندمـا تكون فكــرتك عن الحياة ، والتطوّر ، والتعـامل مع الآخر ، وحتى المفــردات اللغـوية المُستخدمة بنفس منظــور الناس الذين عاشــوا من 1000 عام .. فإذا جاء من يجدد – وفقــاً لمستجدات العصــر – اتهمته بالنفــاق والردة والبُطــلان ، والخروج عن الصــف..

# عندمـا تتعــامل مع ( التراث ) بإعتبــار أنه ( عقيــدة ) يجب الدفاع عنهــا بإيجابياتها وسلبيـاتها ، وتهمل مفهــوم العقيدة نفسه وجوهــرها ..

# عندمـا تتعــامل مع فكــرة ( الحضــارة ) بإعتبـارها مُرادفـاً للتوسع العسكــري ، أو ( الفتــح ) ، وتردد دائمـاً أننا : يومـا ما سنغــزو العــالم ، ونعيــد مجد حضــارتنــا .. فأنت تستحضــر تراثـاً قرونوسطيـاً بإمتيــاز ، ونمــوذج إنســاني غابــر مرّ وانقضى وتطوّر ورحــل تماماً إلى غيــر رجعة ، حتى في أدبيــات الدول الإستعمــارية !

غــزو العالم – الآن – يكون بإطلاق الأقمـار الصناعية ، وبناء محطات الفضـاء ، والسبــاق التقنــي المحموم ، وتحقيق مُنجــزات هائلة فى العلوم والآداب ، تجعــل العالم كله يأتى إليك طواعيـــة ، بدلاً من أن تذهــب إليه بنفســك..
إذا كنت مُصــراً دائمـاً على إستحضـار التراث ، وإسقــاطه على الواقع المُعاصــر بكـل أدواته الجديدة ، فأنت – حتماً – تمتلك عقليــة قرونوسطيّة ممتازة..

عندمـا تفسّــر كل شيء حولك بـ ” نظـرية المؤامرة “
كمـا ذكرت سابقـاً ، نظرية المؤامرة حقيقية بالمفهــوم التنـافسي الإنسـاني بين البشـر والمجتمعـات .. الكل يتآمــر على الكــل ، ويسعى لتحقيق مصــالحه ، وأفكــاره ، ويفــرض نفــوذه ، ويقوّي من وجوده ..

أما أن تمتلــئ مكتبـتك بكتــب من نوعية ( أحجـار على رقعة الشطــرنج ) و ( بروتوكولات حكمـاء صهيـون ) ، وتقضـي ساعات طويلة لقراءة هذه الكتــب المليئـة بالفكـر المرضي ، الذي ستحوّلك بعد الإنتهاء من قراءتها إلى إنســان شيـزوفريني مريض مُتشكـك في كل شيء حولك .. كل حدث حولك وراؤه مؤامرة .. كل شخص يبتسم لك يريد أن يتآمر عليك .. كل من هو مُختلف عنك فكـرياً أو عقائديـاً ، هو حتمـاً شخــص مُتــآمر يُريد أن يُهلكك..

# تسمع كلمـة تنويــر ، يقفــز لذهنك فوراً ( الماسونية ) .. طيب هل تعرف ما المقصـود بمصطلح التنويــر أصلاً ؟ .. لا ، ولكنــها شيء شــرير ..

# تسمع كلمة فلسفــة ، يقفــز لذهنك فوراً ( الهرطقة والإلحــاد ) .. هل قرأت كتاباً واحداً فى الفلسفة ؟ .. لا ، ولكنهــا شيء شرير حتمـاً ..

# تسمــع كلمــة ( التوافق ) ، يقفــز لذهنك فوراً ( التنـازل عن المبــادئ ) .. هل سمعت شرحـاً من قبل عن مفهوم ( التوافق ) سياسيـاً وإجتمـاعيـاً وفكـرياً ؟ .. لا ، ولكنهـا – حتمـاً – شيء شرير ..

الخوف .. الحيـاة بنظرية المؤامرة .. الرعب من المُصطلحــات ، خواص مهمة جداً يجب أن تجدهـا في كل من يعيش بعقــل يعود إلى فكــر القـرون الوسطــى ..

إذا قرأت تاريخ أوروبا جيداً ، ستجد أن 70 % من الحــروب الداميــة التى اشتعــلت بين المذاهب والاعراق والجنسيـات الاوروبية المختلفة  ، والتى راح ضحيتها الملاييــن – لدرجة اهتزاز النسب السكانية للمجتمعات وقرب إنقراضها تماماً ! – ، سببهـا إعتنـاق الحُكــام والناس دائمـاً فكــرة:  الآخــرين يتآمرون علينــا.. لذلك يجب أن نستبق الخطــوة ونُشعــل حربــاً ندمّرهم تماماً بها ، قبل أن يدمروننـا هم !

عندمـا تعيـش بفكـرة أنك محــور الكـون كله

هل تعرف لمـاذا تم شنّ 11 حملة صليبيــة على العالم الإســلامي فى القــرون الوسطى ؟!

من ضمن الأسباب العديدة هو أن الفكـر المسيحي المتشدد في أوروبا وقتها ، يفتــرض أن المسيحي هو كلمــة الرب ، وأن الله لم يخلق سواه .. وأن كــل ماغيــرهم – في العالم – ليسوا إلا أعداءاً يجب قتــالهم ، وإستلاب أراضيـهم ، ولا بأس من عمــل مجازر جمـاعية من أجل هذا الهدف ..

هل تعيـش بنفس المبــدأ ؟ .. مصمم أنك أنت الوحيد الذي تملك الحقيقة المُطلقة ، وأنك ظل الله على الأرض ، ولديك الحــق المُطلق فى تطبيـق فهمــك للنص المُقدس دون غيــرك ؟ .. وأن جمـاعتك / مذهبك / فكــرك ، هو الصحيح ، وكل ماعدا ذلك على كوكــب الأرض بمليــاراته البشــرية ، باطلاً يجب دحــره تماماً ؟

في رأيي الشخصـي ، هذه الحالة الفكــرية منتشــرة بشكــل مُذهــل فى بلادنا العــربية ، إما بشكــل واضح صريح مُباشــر ، أو بشكــل غير مباشــر ، من وراء وراء !

تؤمن أن الله جعلك محــور الكون كله .. الله إصطفــاك ، وأهلك ، وعشيرتك عن بقية مليـارات البشــر .. أنت دائمـاً على حق ، والأغيــار دائمـاً على باطل .. طيب لمــاذا خلقهم الله أصلاًَ ؟ .. لماذا خلق الله 950 مليون هندوسي ، و350 مليون بوذي ، و 3 مذاهب مسيحيــة ضخمة العدد ، ومذاهب إسلامية متعددة ، وأعراق وألوان وجنسيّــات بلا حصــر..
ثم تأتي أنت لتنكــر هذا القانون الإلهــي المُطلق فى التنوّع والإختلاف ، والحقيقة الإلهيــة ( جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) ، لتصمم أنت بالنهـاية – بمفهومك الضيّق عن الحيـاة كلها – بأنك أنت فقــط الذي على صواب ، وأنك انت فقط الذي تحتكـر الحديث بإسم الله ، وكل ماهو خـارج إطــار فهمك ، هو حتمـاً باطل ..

هل يوجد عصــر يمكنك أن تعيش فيه بهذه الأفكـار ، سوى العصـور الوسطى المظلمة ؟!

عندمـا تمتلـئ مكتبتـك بـأمثلة كتـب ( رياض الصالحين ) و ( منهـاج المُسلم ) – فقــط لا غير –  إنت كنتَ مُسلمـاً سُنّـي المذهــب .. أو كتب ( بحــار الانوار الجامعة ) و ( أصــول الكافي ) – فقط لا غير – إنت كنتَ مُسلمـاً شيعــي المذهـب ..  أو كتـب مثــل ( الأجبيــة المقدسة )  – فقط لا غير – إنت كنتَ مسيحـي الديـانة .. وغيــرها من كتب الديــن المُختلفة ، هي كــل ماتقـــرأه في حيــاتك فقــط لا غيــر .. مع أهمّية هذه الكتب جميعـاً ، وضـرورتهـا لفهـم مبـادئ دينك الذي تعتقنه..

ولكن ، في نفس الوقت ، تنظــر إلى كتب من نوعية ( الكون ) لكارل ساغان ، أو رواية ( الحرب والسلام ) لتولستــوي ، أو كتــب تشـارلز ديكينــز ، ومؤلفـات إسحاق عظيمــوف ، وكتب الإدارة الذكيــة ، وآخــر مُنجــزات الحضــارة البشــرية .. تنظر لهذه الكتب بإعتبـارها مضيعة للوقت ، وأن الحمقـى فقــط من يقــرأون هذه الكتب ! .. أو تلمّح بأنها ( كتب الزنادقة ) !
وعندما ترى صديقـك يشتري هذه الكتب ، فتخبــره ساخــراً – أو غاضبــاً – أنه من الأولى والأجدر أن يقــرأ في كتــب الدين ( فقــط ) ، بدلاً من هذه الكتــب غير المفيــدة .. وتلمّح له أنها ( مضيعة للوقت ) وأنها ( علم غيــر نافع ) ، وأنها تروّج للفاحشــة والإلحــاد والزنــا والربا والأخلاق المتدنيّــة .. دون أن يكون لك أي علم مُسبق بها !

هذه الحــالة بالضبط مُطابقة تماماً بشكل هائل لنفس العقليــة الســائدة بين الناس فى القرون الوسطـى ، عندمـا كانت القــراءة معنــاها ( الكتاب المقدس ) و أقوال الآبــاء فقــط .. وكل ماغيــر ذلك هو محــض هراء ، أو محرم لأنه ربما يثير الشــك ، أو علامة للرغبة فى التحرر من العقيدة ، أو لأنه ( علم لا ينفع ) !

إذا كانت كل قراءاتك في الديــن ( فقـــط ) ، وتعتــرض على قراءة ما سوى الدين ، وتتشكك فيه ، بل وتحرّمه ضمنيــاً داخلك .. فتأكد أنك كنت ستعيــش حيــاة هانئة ممتــازة في القــرون الوسطــى ، وأن حظك العاثر هو الذي جعلك تعيش فى القـرن الحادي والعشــرين بعد الميــلاد !

أخيـراً ، عندمـا تقــرأ كل ماسبق ، وتعتبــره مُخالفـاً لآراءك فى الحيــاة ، وبدلاً من أن تلجــأ للنقاش وإيضـاح مواطن الإتفاق والإختلاف ، فتميــل للحــل الأسهل والمحبب ، وهو أن تتهم الكـاتب فى تعليقــك بأنه كافر ، مُلحد ، ماســوني ، عقلاني ، تطوّري ، علمــاني ، صهيـــوصليبي ، أنجلو ساكســوني ، إلخ.. لأنه فقط حاول المقاربة بين واقع عربي نعيشه جميعـاً ، وماضي عاشته أمة قريبة منا جغرافيـاًً..

تأكد – وقتئــذ – أيضـاً .. أن كل ماجاء في الدليــل المذكـور أعلاه كـان صحيحـاً !

نقلا عن : أراجيك