ماذا فعل أينشتاين على كل هذه الهوجة والضجيج

ماذا فعل أينشتاين على كل هذه الهوجة والضجيج
كل الناس تعرف إن أينشتاين من أعظم العقول اللي جاءت على الكوكب وإنه أسطورة وإنه من أشهر الشخصيات في تاريخ البشرية وحتى أشهر من أشهر نجوم السينما على الرغم من إنه في مجال نادرًا ما بيخرج حد حتى بنص هذه الشهرة. ماذا فعل أينشتاين على كل هذه الهوجة والضجيج. حسنًا لنحكم هل الشهرة والعظمة والتبجيل دا عن إستحقاق تام أم مجرد مبالغات، تعالى نلقي نظرة على ما فعل.
.
أينشتاين ولد طفلًا عنده شغف وولع بجميع أنواع العلم وخاصة الفيزياء ويذكر أول شيء أشعل إهتمامه بالفيزياء هو بندول هدية من والده أثناء طفولته وأمه كانت أكبر مؤثر على شخصيته. أينشتاين لم يكن الطالب الفاشل ولكنه لم يكن أيضًا الطالب المميز جدًا، ناهيك عن إنه يظهر عليه أنه سيكون أشهر عالم على الإطلاق. بعد إتمامه للمدرسة والجامعة لم يكن تقديره كافيًا للحصول على وظيفة التدريس التي أرادها ولذلك أضطر أن يعمل كموظف في مكتب براءات الإختراع وكانت وظيفة مملة جدًا ولكن كفاتحة خير عليه وعلى جميع البشرية منحته الكثير من الوقت للتفكير. في بدايات القرن العشرين كان أينشتاين في أوقات فراغه وأثناء إستراحته في العمل يفكر في العديد من المسائل/المعضلات أهمها: .
.
• نظرية نيوتن للفيزياء الكلاسيكية تقول بأن لكي يكون لأي جسم زخم momentum لابد أن يكون له كتلة وهناك علاقة مباشرة ما بين الكتلة وما بين الزخم، ولكن المشكلة أن معادلات العالم ماكسويل ينتج عنها أن الفوتون (الوحدات الصغيرة المكونة للضوء والإشعاعات الكهرومغناطيسية) له أيضًا زخم على الرغم من أن ليس له كتلة وكانت معضلة. أينشتاين عرف أن نظرية نيوتن من المستحيل أن تكون خاطئة ولكنها قاصرة نوعًا ما وتحتاج لتعديلات.
.
• المسألة الثانية هي أنه حينما توضع حبوب لقاح أو أي شيء شبيه في سائل مثل الماء تبدأ الحبوب بالتحرك بشكل جنوني "من تلقاء نفسها" وكأنها تتحرك سحريًا بلا أي تفسير. ظاهرة تسمى الBrownian motion أو pedesis.
.
• الثالثة هي أنه حينما تسلط ضوء على لوح معدني ينتج تيار مستمر من الكهرباء (بسبب أن الفوتونات الضوئية تتسبب في تطاير الإلكترونات من ذرات المعدن وبالتالي تيار كهربائي) ظاهرة تسمى photoelectric effect (بمعنى الكهرباء المولّدة عن طريق الضوء) ولكن المشكلة هي أن شدة هذا التيار الكهربائي لا تعتمد على شدة الضوء بل على لونه وهو لغز غريب جدًا جدًا حير العلماء ومنافي تمامًا لجميع إستنتاجات الفيزياء الكلاسيكية.
.
• عام 1905 بينما كان أينشتاين عمره 25 سنة فقط نشر 4 أوراق في جريدة البحث الفيزيائي الألمانية Annalen der Physik أستطاع فيهم أن يفسر ويحل جميع تلك المعضلات السابقة، ورقة مختصة بحل مشكلة الphotoelectric effect (وهي التي حاز على نوبل بسببها) ووقة أخرى لتفسير الpedesis والورقتيان الأخيرتان عن تفسير أول ظاهرة مما نتج عنهم نظرية النسبية الخاصة. وتسمى سنته الإعجازية annus mirabilis بسبب عظمة وقوة الإنجازات منقطعة النظيرة التي ساهم بها أينشتاين في العالم تلك السنة.
.
حل المعضلة الأولى (القصور في نظرية نيوتن) عن طريق تجربة فكرية (بالألمانية Gedankenexperiment) أستنتج منها وأثبت أن الطاقة والكتلة وجهين لعملة واحدة أو تجسيدين مختلفين لنفس الظاهرة ومن هنا نتجت أشهر معادلة في تاريخ العلم E = mc² (أي أن الطاقة والكتلة يمكن تحويل كل منهم للأخرى وإذا حولت مقدار صغير جدًا من الكتلة لطاقة ستنتج طاقة مهولة جدًا جدًا والعكس - إذا أردت أن تصنع مقدارًا صغيرًا من الكتلة تحتاج لطاقة مهولة جدًا جدًا) وهذه المعادلة نتج عنها عصر النووي (القنابل والمفاعلات النووية) وفسرت طريقة عمل الشمس والنجوم (أنها أفران نووية) التي كانت لغز حير وأعجز العلماء وفسرت العديد والعديد من الظواهر الكونية ومهدت الطريق فيما بعد للنسبية العامة.
.
المعضلة الثانية (pedesis) حلها بأنه أكتشف أن الحركة الجنونية للحبوب المعلقة في محلول أو غاز هي نتيجة لأن هذا المحلول مكون من جزيئات أو ذرات صغيرة جدًا دائمة الحركة والإرتطام ببعضها وبالتالي حين وضع أي حبوب غبار أو أي شيء بينها تبدأ في الإرتطام به بقوة وبالتالي تتسب في هذه الحركة العفوية الغريبة واثبت وجود الذرات من خلال رياضيات من الأجمل والأقوى والأكثر صلابة في التاريخ، وليس فقط وجودها وإنما حجمها نفسه! إثبات وجود الذرات قبل هذا الوقت كان يعتقد جميع العلماء (حرفيًا %100 منهم) أن إثبات وجود الذرات هو شيء مستحيل لدرجة أن أحد أشهر العلماء "بولتزمان" أنتحر بسبب كم الضغوط النفسية المتولدة عنده مشاجراته مع العلماء الآخرين في إثبات وجوده.
.
• المعضلة الثالثة (الphotoelectric effect) حلها عن طريق إستخدام نظرية ميكانيكا الكم للعالم ماكس بلانك. قبلها ب5 سنوات كان نجم العلوم في ألمانيا ماكس بلانك (وهو أيضًا الذي جلب الإنتباه لأوراق أينشتاين الذي كان وقتها صغير وغير معروف) كان يحاول حل معضلة في الفيزياء تسمى الultraviolet catastrophe حيث الفيزياء الكلاسيكية تتوقع في سيناريو معين أن الأجسام ستصدر كمية لانهائية من الطاقة (الإشعاع) وهو بالطبع ما يخالف المنطق والواقع والمشاهدات وبالتالي كان لابد من إيجاد نموذج جديد يحل ذلك القصور في الفيزياء الكلاسيكية ومن هنا ولدت ميكانيكا الكم، حيث فسر ماكس بلانك الظاهرة أن الطاقة لا تخرج على طريق موجة أو خط مستمر وإنما على شكل وحدات صغيرة متقطعة سماها quanta (جمع quantum) بمعنى كـَـمّ؟ أو how much باللاتينية. أينشتاين في حله لمعضلة إعتماد شدة التيار الكهربائي الصادر من المعدن ليس على شدة الضوء وإنما على قوته أستخدم نظرية ماكس بلانك بأن الضوء، كالإشعاع، ليس فقط موجة مستمرة وإنما له طبيعة مزدوجة (مخالفة للcommon sense أو ما يفهمها العقل البشري في الأشياء اليومية) وايضًا مكون من وحدات صغيرة متقطعة سموها photons (بمعنى الوحدة الضوئية باليونانية) وفي الحقيقة حسم جدال تاريخي منذ أيام نيوتن هل الضوء موجات أم جسيمات صغيرة تشبه الذرات، وحدث إستقطاب بعض العلماء صدقوا الأولى والفريق الآخر صدق النظرية الأخرى ولكن أينشتاين أثبت أن الضوء يتصرف كموجة وكجسيم معًا.
.
بعدها ب10 سنوات عمم أينشتاين النسبية الخاصة وعمل نظرية النسبية العامة التي أعطت نظرة أكثر شمولًا وقوة للجاذبية من نظرية نيوتن وفسرت عشرات الظواهر الكونية التي لا تستطيع نظرية نيوتن تفسيرها. وأيضًا الLaser مبني على ورقة علمية لأينشتاين وكذلك فكرة السفر عبر الزمن وكذلك نوع من الموائع أسمه Bose-Einstein condensate وهو حالة غريبة جدًا من المادة عند تبريدها لدرجات قريبة من الصفر المطلق تبدأ جميع الذرات في المادة تتصرف كذرة واحدة وتستطيع رؤية ودراسة ظواهر ميكانيكا الكم على مستوى كبير وأيضًا من الممكن أن يكون له مئات التطبيقات المتقدمة جدًا والخالية.
.
وكل ما سبق يعني أن أينشتاين بمفرده أكتشف وصاغ نصف الفيزياء الحديثة (النسبية العامة) وكان أحد أكبر أعمدة مؤسسين نصفها الآخر (ميكانيكا الكم) وأثبت أن الزمن شيء غير مطلق بل نسبي ويمكن التحرك فيه (أي السفر للمستقبل أو الماضي وفي الحقيقة الآثار النسبية للزمن موجود في كل لحظة في حياتنا اليومية ولكنها طفيفة جدًا لأننا لا نتحرك على سرعات عالية جدًا ولا توجد جاذبية خارقة مثل الثقوب السوداء بالقرب منا ولذلك الأمر يتطلب ساعة ذرية لقياسها) وفسر طبيعة الضوء وأثبت وجود الذرات وهذه الأشياء ترتب عليها أننا فسرنا الكون كله حتى ما حدث في بدايته نفسها ومئات الظواهر العجيبة والغريبة فيه مثل طريقة عمل النجوم والثقوب السوداء وغيرها، ومئات التطبيقات العملية في حياتنا اليومية منها الGPS وجميع الإلكترونيات الحديثة والليزر وغيرهم الكثير.
.
حرفيًا وبدون أدنى مبالغة لو أي شخص آخر عمل ربع إنجاز واحد من إنجازات أينشتاين لدخل التاريخ من أوسع أبوابه وأصبح من أشهر الناس فما بالك بمن عمل العشرات من هذه الإعجازات؟ صعب نعد الجمايل.

كتبه : محمود مهدلي