تاريخ شركة ياهو و القرارات الخاطئة

تاريخ شركة ياهو و القرارات الخاطئة
ما هي شركة «ياهو»؟

بعد مرور 17 عاما على إنشائها ما زال التساؤل قائما

 

نيويورك: ديفيد كار
ما هي «ياهو»؟ هذا هو السؤال المباشر الذي ما زال يحير القائمين على إدارة هذه الشركة حتى الآن. لقد شعرت بحالة من الغموض عندما زرت المدير التنفيذي للشركة آنذاك كارول بارتز، عام 2010. وفي الحقيقة، كانت بارتز لطيفة وواضحة، إلا في السؤال المتعلق بهوية شركة «ياهو». وبعدما استمعت إليها لمدة خمس دقائق، لم يكن لدي أدنى فكرة عن السبب الرئيسي من وراء إنشاء هذه الشركة، فبعد 17 عاما من إنشاء الشركة، ما زال هناك تساؤل عما إذا كان ينبغي الاستعاضة عن «ياهو» التي يتبعها علامة تعجب (!Yahoo) بـ«ياهو» التي يتبعها علامة استفهام (?Yahoo) حتى تعكس حالة عدم اليقين التي تحيط بالهدف من الذي تصبو إلى تحقيقه شركة «ياهو».والآن، يتم طرح هذا السؤال على ماريسا ماير التي تم اختيارها لتشغل منصب المدير التنفيذي لشركة «ياهو» الأسبوع الماضي. وفي الحقيقة، يستطيع أي متابع لمجال التكنولوجيا أن يدرك أنها تتمتع بالذكاء والخبرة الكافية – فهي تجسد الكثير من الكاريزما الفكرية لشركة «غوغل». ومع ذلك، سيكون هذا السؤال هو الأهم فيما إذا كانت ماير ستنجح في عملها مع «ياهو» أم لا.

دعني أقول: إن «ياهو» هي شركة إعلامية، في الغالب عن طريق الصدفة. صحيح أن مقرها الكائن في وادي السليكون مليء بخبراء التكنولوجيا والأشياء المعهودة التي تدل على أنها شركة رقمية، ولكن بالنسبة للكثير من الأميركيين تعد شركة «ياهو» مصدرا للحصول على المعلومات. وفي عالم الأعمال، سوف يخبرك الناس بأن أي شيء يعد ثانويا وليس رئيسيا. ورغم سمعتها البالية، تعد «ياهو» هي الشركة رقم واحد في 10 فئات محتوى، وفقا لما أعلن عنه موقع «كومسكور» لإحصائيات الإنترنت، بما في ذلك الأخبار والشؤون المالية والرياضة والترفيه والعقارات. وعلاوة على ذلك، تستحوذ «ياهو» على أكثر من 75% من إجمالي مستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة، ووصل عدد مستخدميها في شهر يونيو (حزيران) الماضي إلى 167.2 مليون في الولايات المتحدة وحدها، كما يصل المتوسط اليومي لمستخدمي «ياهو» في الولايات المتحدة نحو 30 مليون شخصا، أما على المستوى العالمي فإن نحو 700 مليون شخصا يقومون بزيارة الموقع بـ30 لغة مختلفة كل شهر.

وتكون الأخبار التي يحصل عليها المستخدمون مختارة بعناية فائقة، كما أن أخبار السلع المعروضة تكون مستقاة من مجموعة متنوعة من المصادر، ولكن يمكن للمستخدمين أيضا قراءة تقارير شخصية من أي صحافي من الـ300 صحافي – غرفة أخبار ضخمة هذه الأيام – الذين يعملون في شركة «ياهو». ومن الجدير بالذكر أن الناس قد بدأوا يتحدثون عن شركة «ياهو» الضعيفة والعاجزة ويقولون: إنها تعاني من ضعف شديد في هذا السياق. وفي الواقع، لا ترتقي «ياهو» إلى شركة «غوغل» أو «فيس بوك»، ولكنها ليست كأي شركة عادية أيضا. وقد أعلنت الشركة الأسبوع الماضي أن الأرباح قد انخفضت خلال الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 4.4% مقارنة بالعام الماضي، ولكن الشركة حققت عائدات بقيمة 1.22 مليار دولار وأرباحا بقيمة 226.6 مليون دولار. وارتفعت عائدات الإعلانات إلى 534.9 مليون دولار مقابل 523.5 مليون دولار العام الماضي.

ولذلك، فربما تعمل ماير في شركة تعاني من الركود، ولكنها لا تعاني من الانهيار. وفي الواقع، تمتلك «ياهو» كل ما تتمناه شركات الإعلام الأخرى وهو قدرتها على جذب عدد كبير من المشاهدين، ولكن الشركة لا تعرف كيف تستغل هذه الميزة. وثمة خلطة سرية في الصفحة الرئيسية لـ«ياهو» تدفعك للنقر على الأشياء الموجودة بها. ولا يتمتع عرض الأخبار الموجود في أعلى الصفحة بالعمق الكبير، ولكن من الصعب مقاومته. ويملك المحررون بيانات حقيقية عن معدل النقر ويمكنهم تعديل العرض بسرعة، ويتم التخلص من الأداء المتدني أو إعادة تشكيله. وتعتمد «ياهو» على مزيج من العوامل التكنولوجية والبشرية لاجتذاب الكثير من المتابعين. (لا تحسب أن هذا سهلا، وعليك إجراء مقارنة بين الصفحة الرئيسية لـ«ياهو» والصفحة الرئيسية لشركة «إيه أو إل»، وسوف تعرف أن «ياهو» متفوقة جدا).

ويوم الجمعة الماضي، على سبيل المثال، كانت الصفحة الرئيسية لـ«ياهو» تحتوي على خبر إطلاق النار في ولاية كولورادو الأميركية ومقال عن شاب تايواني توفي بعد 40 ساعة من ألعاب الفيديو، وصورة لعامل في مطعم «بيرغر كينغ» وهو يقف على أكياس من الخس قبل أن يتم تجهيزها لعملاء المطعم، بالإضافة إلى خبر يتساءل عن عدم قيام نادي «نيويورك نيكس» لكرة السلة بالتعاقد مع النجم جيرمي لين.

ولم تبرز «ياهو» في مجال صناعة الأخبار، ولكنها كانت تقدم تطبيقات مفيدة للعملاء قبل وقت طويل من ظهور الـ«آي باد». وقد أدى التميز الكبير وتوفير خدمة البريد الإلكتروني إلى جذب عدد هائل من المستخدمين، علاوة على أن قدرة «ياهو» على مساعدة العملاء على استخدام المعلومات قد أدت إلى نجاح كبير في إطلاق البوبات الرياضية والمالية، وهو ما جذب مجموعات كبيرة من الجمهور للتعليق على ما تتناوله تلك البوابات. وفي النهاية، بدأت «ياهو» في إمداد عملائها بعناوين الأخبار التي تقوم بشرائها من وكالة أسوشييتد برس، ثم أضافت الصور وبدأت في توقيع اتفاقيات أخرى لنشر محتويات جديدة، في الوقت الذي كانت تقوم فيه بزيادة عدد الصحافيين لديها. ونجحت «ياهو» الرياضية بدرجة كبيرة، وتم استغلال الأموال التي تتدفق من تلك الخدمة في إنشاء المدونات التي تقدم أعمالا في الوقت المناسب وفي الكثير من المجالات وتقدم مشروعات معرفية رائعة ويكتب بها الكثير من الكتاب البارزين. ومع ذلك، اتضح أن خدمة الرياضة ما هي إلى استثناء، لأن رحلة «ياهو» للتحول إلى موقع إخباري لم تكن مقصودة بصورة كبيرة، ولم تكن هناك سياسة شاملة لتطوير محتوى الموقع. وأصبحت «ياهو» بمثابة مجموعة من الإقطاعيات التحريرية – هناك عشرات المجالات المنفصلة عن بعضها البعض – تسعى جميعها لجذب انتباه الصفحة الرئيسية من دون تعاون أو تنسيق كبير فيما بينها. وعندما يكون بإمكانك التحكم في معدل المشاهدة الداخلي، فإن أي فكرة برمجة طائشة قد تتحول إلى فكرة عبقرية لمجرد أنها قد حصلت على بعض الإعجاب من جانب الصفحة الرئيسية العملاقة.

وقد تم تعيين كريس ليمان كنائب رئيس تحرير (ثم تمت ترقيته لرئيس تحرير) وكانت مهمته هي اجتذاب أصوات حقيقية لخدمة أخبار «ياهو» من خلال مجموعة من المدونات الإخبارية عام 2010. وقام ليمان بتعيين بعض الموظفين الجدد، ولكنه رحل عن الشركة عام 2011 بعدما شعر بخيبة أمل من تغير آخر في الاستراتيجية.

وقال ليمان، الذي يعمل حاليا في مجلة «بوكفورم» ومجلة «ذي بافلر»: «الأخبار هي نشاط وفعل في حقيقة الأمر، ولكننا نجد أنفسنا في نهاية المطاف في مؤتمرات لا نهاية لها لكي نتعلم الكلمات الطنانة التي تنجح في تحقيق أرباح، ولكننا نتعلم القليل عن كيفية تغطية الأحداث التي تقع اليوم».

ومن جهته، أشار جون كوك، وهو صاحب مدونة أخبار على «ياهو» ويعمل حاليا في شركة «جاوكر»، إلى أن محاولات «ياهو» لتقديم محتوى خاص بها جاء ضمن محاولتها للضغط على الجهات الأخرى مثل أسوشييتد برس. وأضاف كوك: «لقد بذلوا مجهودا كبيرا لجذب المستخدمين ولكن لم يكن لديهم أدنى فكرة عن كيفية إنشاء عملية حقيقية لتقديم الأخبار». وتبادلت عشرات الرسائل عبر البريد الإلكتروني بهدف الدخول في حوار مع ميكي روزين، وهي مسؤولة تنفيذية بارزة مسؤولة عن الإعلام والتجارة في شركة «ياهو»، لكي نعرف رأي «ياهو» في هذا الموضوع، ولكن المقابلة ألغيت قبل موعدها بوقت قليل. ومن الممكن أن تفضل ماير المبادئ والقواعد على المحتوى وأن تتعامل مع الأخبار على أنها القشرة الخارجية لأي مشروع تكنولوجي، ولكن في هذا المجال، لا تعد «ياهو» هي الشركة الرائدة في أي شيء، حيث تخسر أمام «غوغل» في البحث، كما تعاني بشدة أمام وسائل الإعلام الاجتماعية.

وحتى لو نجحت ماير في أن تجعل الأجزاء المتفرقة لجهاز المحتوى تعمل مع بعضها البعض، فهناك مشاكل خاصة بالأخبار نفسها. وتقوم «ياهو» بعمل جيد في عرض الإعلانات من خلال تقديم محتوى على أجهزة الكومبيوتر يناسب كافة الأشخاص، ولكن أجهزة الكومبيوتر بدأت تتخلف بشدة أمام أجهزة الجوال. إن الانتقال من عالم أجهزة الكومبيوتر التي يزن الواحد منها نحو 10 أرطال، في أفضل الأحوال، إلى عالم الهواتف الجوالة خفيفة الحجم سيتطلب اختيارات صعبة والتي لن يتم حلها من دون طرح نفس السؤال مرارا وتكرار: ما هي شركة «ياهو»؟